في خطوات متسارعة مازالت تطرق مسمعي دخلت غرفة المختبر- اليوم أول دوامي المدرسي- بدأت بالتعريف بنفسي وأنا أنظر إلى الطالبات ،الحزن ملأ صدري وكأن كل فتاة تحكي قصة مأساة أخفتها بتصرفات ذكورية غطت معالم أنوثة ناعمة رقيقة ....
أعطيت تعليماتي ،بدأت بالشرح ...لكن سرعان ما انتهت الحصة وخرجت الفتيات من المختبر وبدأن يتبادلن الحديث عن المعلمة الجديدة -
يا الله المعلمة شكلها منيحة ،وجها ضحوك – استغربت كثيراً وكأن الابتسامة في هذه الايام أصبحت حدثا نادراً....
لا أدري أشعر بضيق كلما نظرت إليهن.. فوضى في كل مكان ... مشاجرات.. كلمات بذيئة .. يكاد رأسي ينفجر .. أنظر إليهن وكأنهن يأتين المدرسة لتفريغ ما هو مكبوت، لتفريغ العواطف ،الحزن ،الالم ... لكن المأساة الاكبر أن المعلمات يواجهنهن بنفس الأسلوب أسلوب العنف.. استأنت كثيراً ...ذهبت ذاكرتي إلى مساقات علم النفس ، علم نفس الطفولة ،الصحة المدرسية،التربة العمليةالنظرية ،أساليب التدريس وغيرها من المساقات التربوية، فتصفحت ذاكرتي النظريات التي عجت بها تلك الكتب لكن أين نحن من التطبيق ؟!!!
بدأ نفسي يعلو ويعلو وبينما أنا كذلك رأيت إحدى الطالبات تمسك بزميلتي وفجأة سمعت صوتاً –
ابعدي عني مش طايقك- عبارة نزلت كصاروخ عليها،سقط قلبي ألماً ليتها سكتت،ليتهاااااااااااااااااا
تكلمت مع زميلتي وبينت لها خطأ ما فعلت وأن هذ جريمة في حق الفتاة ،بدأت الضحكات تتوالى ههههههههههه كأني قلت نكتة.هي رأت أن العلاقة بين الطالب والمعلم يجب أن تكون أكثر محدودية من ذلك ،من أين جاءت بهذه النظرية؟!حتى إن كان كذلك هل هذا يبرر فعلتها ؟!!!!!!
مرت الايام، أحببت طالباتي،صرت أشرح ونفسي تغمرها السعادة ،الصف هادئ،الكل مستمع ،أسأل ، تجيب، نعم الصف هذا ..
في إحدى المرات فتحت دفتر علامات مادة التكنولوجيا أخذت أشاهد تحصيل الطالبات ،بدأت معالم الاستغراب ترتسم على وجهي ،فكثير منهن ترفع تلقائياً مع أن بعضهن يتمتعن بنسبة ذكاء لا بأس بها ،ما السبب في ذلك؟سألت نفسي .
مرت ثلاثة أسابيع ، حان موعد الفراق ، اغرورقت أعينهن بالدمع ،أمسكت أنفاسي ،لكن ليس باليد حيلة فأنا معلمة متدربة ، ومدة تدريبي انتهت،وداعاً طالباتي، وداعا معلمتي ي ي ي ي...
هذه إحدى المذكرات التي كتبتها أثناء تدريبي في مدرسة الامعري للبنات في مدينة رام الله أحببت أن أضعها بين أيديكم لأرسم لكم صورة مصغرة للمأساة التي يعيشها طلبتنا الذين هم ضحية نظام تعليمي فاشل قتل الكثير من إبداعاتهم ولم يراعي الظروف المحيطة بهم،نظام تعليمي اكتفى في وضع القوانين دون تطبيقها أو فرض الرقابة عليها،فكم من طالب خرج من المدرسة وحرم من التعليم لعدم قدرته المادية وكم من طالب وضع في صفوف الكسالى بسبب معاملة المعلم السيئة وعدم مراعات مشاعره وإهماله له ولم يراعي الله في تعليمه وكم من طالب لم يمارس هوايته لعدم توفر المواد اللازمة لها وكم من طالب أنهى تعليمه المدرسي دون أن يستفيد لعدم وجود من هو مؤهل لتدريسه،وكم من مواد حذفت تلقائيا لعدم وجود معلمين لها كمادة الفن والرياضة فهي تعطى للمعلم كتكملة نصاب وهو لا يفقه بها شيئاً، والمأساة ظلت تلاحق أبناءنا حتى عند انتقالهم لمرحلة التعليم العالي وبعدها الخوض في غمار الحياة العملية، فعدم التخطيط للكثير من التخصصات قتلت طموح العديد منهم،وخير مثال على ذلك ما يمر به أبناء تخصص التربية التكنلوجية حيث ان التربية وضعت منهاج التكنلوجيا قبل إيجاد كادر مؤهل لتدريسه مما اضطرها لتوظيف من يحملون شهادات العلوم والرياضيات والحاسوب والهندسة وITلتعليمه وعندما أنزلت تخصص التربية التكنلوجية في الجامعات وجد اصحاب هذا التخصص انفسهم بعد التخرج أنهم وقعوا في مشكلة كبيرة مازلوا يبحثون عن حل لها ،أرجو من الله أن يعينهم على مصابهم ، فلينتظروا عل الحل يأتي.
في هذا الموضوع أود أن أناقش معكم مشكلة النظام التعليمي وعدم مراعاته ظروف الطالب المحيطة وعدم توفيره كادر مؤهل لتعليم المواد والتعامل مع الطلبة ،وإسهامه في قتل إبداعهم وطموحاتهم، والبحث عن الحلول اللازمة لكي ننشئ جيلا مبدعا طموحا قادرا على الرقي بهذا المجتمع .
تقبلوا فائق احترامي